ما قبل المناهج كانت الافكار تتأرجح ما بين المحاكاة والخلق، ويعتبر افلاطون من رواد هذه المحاولات في محاوراته، وكذلك ارسطو في كتابه فن الشعر، لقد فسر افلاطون بالمحاكاة حقائق الوجود ومظاهره، فاعتبر الحقيقة هو موضوع العلم موجودة في عالم اخر غير عالمنا، وهو عالم المثل فالشاعر كالرسام يحاكي الطبيعة التي هو بدورها محاكاة لطبيعة سابقة في عالم المثل التابع في مفهومه الخاص لما وراء الطبيعة (الميتافيزقيا).والمحاكاة عند ارسطو لم تقف عند التقليد الحرفي للطبيعة او النقل الامين وانما امتد ليصور المحاكي ينحو منحى ثلاثة اساليب:
1. يمثل الاشياء كما كانت في الواقع.
2. يصور الاشياء كما يتحدث عنها الناس وتبدو عليه.
3. يصور الاشياء، كما ينبغي ان تكون. ولم يصل الى مفهوم الخلق الذي نادت به المدرسة الرومانسية.
اما المناهج الخارجية فتتمثل بالمنهج التاريخي، المنهج النفسي، المنهج الاجتماعي، حيث كان لتطور العلوم التجريبية في اوربا في القرن التاسع عشر نتائج علمية واضحة امتدت لتمس واقع المجتمع سياسيا وفكريا واجتماعيا وبالتالي ثقافيا. ولم يكن النقد الادبي بمنأى عن التأثير بالنهضة العلمية. ومن اعلام المنهج التاريخي في النقد الحديث فهم: فرديناند برونتير وسانت بوف وهيبولت تين، ولقد تجلى الاتجاه التاريخي عند العرب لدى عدد من النقاد مثل: عباس محمود العقاد، في كتابه وشعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، وطه حسين في كتابه الشهير (حديث الاربعاء) و(مع المتنبي).
اما المنهج النفسي فيرى ان الابداع ليس الا حالة خاصة قابلة للتحليل؛ لان كل عمل فني ينتج عن سبب نفسي ويحتوي على مضمون ظاهر واخر خاف مثله مثل الحلم اي: انعكاس لنفس المؤلف. من هنا كان لزاما على دارس الادب ان يتلمس بواعث الابداع النفسية.
والذي رسخ المنهج النفسي منهجا في النقد الادبي فهي دراسات فرويد وتلاميذه يونخ، ادلر وذلك بعد اصدار فرويد كتابه المشهور (تفسير الاحلام) ومجموعة من الدراسات النفسية لعدد من الادباء والفنانين مثل: دراسته عن ليونارد دافنشي، ومقالة عن دو ستوفسكي وجريمة قتل الاب. ولقد استهوى المنهج النفسي عددا من النقاد العرب من هؤلاء النقاد: عباس محمود العقاد، المازني، وعزالدين اسماعيل وغيرهم.
وكانت دراسة العقاد عن شخصية ابي نؤاس في ضوء ما اسماه عقدة النرجسية، كما قدم المازني دراسة عن بشار بن برد تمثل نموذجا واضحا لمفهوم إدلر عن عقدة النقص، حيث يرد ابداع بشار وولوعه بهجاء الناس وشتمهم الى نقص يعاني منها بسبب كونه احد شعراء الموالي اولا، وكونه شاعرا كفيفا ثانيا.
تنطلق فكرة المنهج الاجتماعي من النظرية التي ترى ان الادب ظاهرة اجتماعية وان الاديب لا ينتج ادبا لنفسه وانما لمجتمعه وفي الفلسفة الماركسية ان لكل مجتمع بينتين: دنيا: ويمثلها النتاج المادي المتجلي في النية الاقتصادية للمجتمع، وعليا/ وتثملها النظم الثقافيـــــة والفكريـــــة والسياسية المتولدة عن البنية الاساسية الاولى وان اي تغيير في قوى الانتاج المادية وعلاقاته لابد ان يحدث تغييرا في العلاقات الاجتماعية والنظم الفكرية وعليه فان الخطاب الادبي او الفني ينتمي الى البنية العليا للمجتمع وهو منعكس عن البنية الدنيا ومتأثرا بها. لقد انضج المنهج الاجتماعي في النقد مجموعة من المفاهيم والمصطلحات النقدية المهمة مثل (الفن للمجتمع) و(رسالة الادب) و(رسالة الفن) و(الادب الملتزم) و(الادب الثوري) و(الواقعية الاشتراكية)، وكلها تشير الى رسالة الادب والاديب. وابرز الاسماء العربية التي تمثلت بهذا المنهج محمود امين وعبدالعظيم انيس في كتابهما المشترك (في الثقافة المصرية) الذي كان له دور الريادة في النقد الواقعي الماركسي في العالم العربي.
اما المناهج الداخلية فهي الشكلانية الروسية، النقد الجديد، الاسلوبية، الشكلانيون الروس: تسمية اطلقت في النصف الاول من القرن العشرين على اتجاه نقدي يمثله عدد من النقاد والدارسين الروس كان منهم: ميخائيل باختن، رومان ياكبسون، فلاديمير بروب...
لقد شكل هؤلاء وغيرهم اسسا ثورة منهجية جديدة في دراسة اللغة والادب بدءا من عام 1915م، حين تم انشاء حلقتين او تجمعين ادبيين هما حلقة موسكو الادبية اللسانية وحلقة سان بطرسبورغ.
لقد ذهب الشكلانيون الروس الى ان جوهر الظاهرة الادبية لا يتلخص في علاقتها بمنشئها او بيئتها بقدر ما يتخلص في كينونتها الموضوعية بوصفها بنية مستقلة.
اما النقد الجديد تسمية اطلقت على الحركة النقدية التي ظهرت ف اعقاب افول المنهج الشكلاني السابق متخذة من الجامعات الامريكية وجامعات الجنوب الامريكي تحديدا مركزا لها. وتعتبر هذه الحركة بانها ضد المادية الصناعية وضد الماركسية والوضعية المنطقية واقتحام العلم في ميادين الروح. ولكنها على الصعيد الادبي جمالية النزعة ويوصف اقطابها وممثلوها بانهم رهيفو الحس وعميقو التفكير والفطنة.
هنالك من يتردد في عد الاسلوبية منهجا نقديا او انها اوسع من ذلك بسبب تعدد ميادينها وتداخلها مع حقول اخرى كثيرة كالنقد الادبي وعلم البلاغة اللسانية وعلم النص حتى الاسلوبية نفسها غدت اسلوبيات وهو المصطلح الذي يؤثره سعد مصلوح حيث جعله مقابلا لما يوصف (باللسانية) مؤكدا المنطق اللساني في شرح العلاقة بين البلاغة العربية وهذا الفرع من فروع الدراسة اللسانية المعاصرة.
من المناهج النقدية التي ترتبط بمشروع الحداثة (البنيوية) والتي نهضت على اسس الغربة، مستعينة بالنماذج اللغوية وبخاصة النموذج السويسري الذي ميز بين الكلام واللغة بوصفها نظاما. وهي بالتالي تقدم نموذجا لتحليل الاعمال الفنية نشأ في مناهج علم اللغة المعاصر. ومن هنا فقد قامت البنيوية على التصور القائل بانه علم اللغة يمكن ان يكون مفيدا في دراسة الظواهر الانسانية الذي يقوم على فكرتين هما:
1. ان الظواهر الاجتماعية والثقافية ليست مجرد موضوعات واحداث مادية وانما موضوعات واحداث ذات معنى ومن ثم فهي علامات.
2. ان هذه الظواهر ليست جواهر في حد ذاتها وانما يمكن تحديدها عبر شبكة من العلاقات الداخلية مما يجعل التمييز بين السيميولوجيا والبنيوية امر غير ذي جدوى.
التفكيكية تعبر عن مشروع (ما بعد الحداثة) ولا يعتبر التفكيك منهجا كما انه ليس نظرية عن الادب ولكنه استراتيجية في القراءة: قراءات الخطابات الفلسفية والادبية والنقدية من خلال التموضع داخل الخطابات وتقويضها من داخلها. وقد يبدو مصطلح التفكيكية مظللا في دلالته المباشرة، حتى دريدا نفسه شكا من ترجمته الى اللغات الاخرى، الا انه ثر في دلالته الفكرية، لانه يدل في مستواه الدلالي العميق على تفكيك الخطابات والنظم الفكرية واعادة قراءتها بحسب عناصرها والاستغراق فيها وصولا الى الالمام بالبؤر الاساسية المطمورة فيه.